في ظل غياب اهتمام حكومي بمغاربة العالم.. 10% فقط من تحويلات الجالية المغربية موجهة للاستثمار
حذّر مرصد العمل الحكومي، من واقع الضعف الملحوظ المسجّل في مساهمة الجالية المغربية المقيمة بالخارج في الدينامية الاستثمارية الوطنية، إذ لا تتعدى نسبة التحويلات الموجهة لهذا الغرض 10%، رغم ما تمتلكه هذه الفئة من إمكانات اقتصادية هائلة.
ويُعزى هذا القصور - وفق المرصد الحكومي - إلى غياب رؤية استراتيجية شاملة ومندمجة قادرة على إدماج مغاربة العالم بفعالية في النسيج الاستثماري، فضلاً عن محدودية أداء صندوق MDM Invest، الذي أُنشئ لدعم مشاريعهم دون أن يحقق أهدافه المنشودة، واستفحال معضلات الفساد والبيروقراطية، مما يفاقم صعوبة الحصول على استشارات موثوقة حول القطاعات الاستثمارية الواعدة، ليظل استثمار الجالية تحدياً يتطلب إصلاحات هيكلية جذرية وبمقاربة أكثر شمولية ونجاعة.
وتعد التحويلات المالية للجالية المغربية المقيمة بالخارج أحد الدعائم الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث تلعب دورا حيويا في تعزيز التوازن المالي للمملكة وتوفير مصدر رئيسي للعملة الصعبة. وقد شهدت هذه التحويلات تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت من 60 مليار درهم في عام 2019 إلى 115.3 مليار درهم في عام 2023، مع توقعات ببلوغها 120 مليار درهم في عام 2024، وهو النمو الذي يعكس قوة الروابط التي تجمع مغاربة الخارج بوطنهم، ويؤكد التزامهم بالمساهمة في استقرار الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية التي أثرت على تدفق التحويلات في العديد من البلدان الأخرى.
وتساهم هذه التحويلات بما يزيد عن 7% من الناتج الداخلي الخام، مما يجعلها عنصرا محوريا في تعزيز القدرة المالية للمملكة ودعم احتياطاتها من العملة الأجنبية، واستقرار الدرهم المغربي، ودعم التوازنات الماكرو اقتصادية، وخفض عجز الميزان التجاري، فيما ورغم الارتفاع الملحوظ في قيمة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، إلا أن توزيع هذه التحويلات واستغلالها يعاني من اختلالات كبيرة فيما يتعلق بخلق القيمة المضافة وتعزيز الاستثمار. وحسب المعطيات الرسمية، لا تتجاوز نسبة الأموال المخصصة للاستثمار 10% من مجموع هذه التحويلات، بينما يخصص 60% لدعم الأسر، و30% على شكل ادخار.
وبالمقارنة مع دول إفريقية تشهد زخما مشابها في الهجرة مثل نيجيريا وكينيا، تبدو النسبة المخصصة للاستثمار في المغرب أقل بكثير، ففي نيجيريا توجه 45% من تحويلات مواطنيها المقيمين بالخارج للاستثمار، بينما تصل النسبة إلى 35% في كينيا، حيث يظهر هذا التفاوت حاجة المغرب إلى تطوير آليات مبتكرة لتحفيز استثمار التحويلات المالية في قطاعات منتجة تسهم في خلق فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
وفي هذا الإطار، يعتبر مرصد العمل الحكومي، أن غياب رؤية استثمارية شاملة وموجهة تستهدف إدماجهم بفعالية في النسيج الاستثماري الوطني، في مقدمة أسباب ضعف استثمارات مغاربة الخارج، موردا أنه "رغم الإمكانات الهائلة التي يمثلها مغاربة العالم، إلا أن هناك نقصا واضحا في السياسات الموجهة خصيصا لاستقطاب استثماراتهم بشكل منظم ومدروس، حيث يتمثل هذا القصور في غياب خطة واضحة تحدد القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية التي يمكن أن تشكل محركا للنمو، فضلا عن غياب خريطة استثمارية تستعرض الفرص الواعدة في المناطق التي تعاني من التهميش أو التي تحتاج إلى دعم أكبر لتحقيق التنمية المستدامة."
ويؤدي هذا النقص حسب المصدر ذاته، إلى تشتت جهود واستثمارات الجالية، حيث يجد المغاربة المقيمون في الخارج أنفسهم أمام خيارات غير مهيكلة وغير مدروسة، مما يجعل استثماراتهم غالبا عشوائية أو مقتصرة على قطاعات تقليدية كالخدمات والعقار، بدلا من استهداف قطاعات ذات قيمة مضافة عالية مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، أو الصناعة التحويلية كما أن هذا الغياب لرؤية استراتيجية يضعف فرص توجيه هذه الطاقات نحو المشاريع التي تساهم في خلق فرص عمل مستدامة وتطوير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب.
وبحسب مرصد العمل الحكومي، فإنه ورغم الأهمية الكبيرة التي تحظى بها آليات التمويل في تحفيز استثمارات مغاربة العالم ودعمها، إلا أن الأدوات المتوفرة حاليًا تبدو محدودة وغير قادرة على الاستجابة لتطلعات هذه الفئة المهمة، على غرار صندوق MDM Invest، الذي أنشئ خصيصا لدعم مشاريع مغاربة العالم، ولم يتمكن من تحقيق تأثير ملموس على أرض الواقع، إذ أنه منذ إطلاقه في عام 2002 وحتى عام 2022، لم يتجاوز عدد المشاريع التي دعمها 48 مشروعا فقط، وهو رقم يعكس بوضوح محدودية نطاق تأثيره مقارنة بالإمكانات الاستثمارية الهائلة للجالية المغربية.
إلى جانب ذلك، يُعاني المغرب، حسب الورقة التحليلية التي أصدرها مرصد الدراسات وتوصلت بها "الصحيفة"، من غياب صناديق تمويل أخرى مخصصة لدعم استثمارات الجالية، مما يبرز افتقار السياسات العمومية إلى رؤية متكاملة لتعبئة الإمكانات الاستثمارية الكبيرة التي تملكها الجالية، حيث يجعل هذا النقص الخيارات التمويلية محدودة للغاية، علما ان أغلب المستثمرين من مغاربة العالم يعتمدون على إمكانياتهم الذاتية أو على قروض بنكية مكلفة وغير موجهة خصيصا لدعم مشاريعهم، كما تعاني المشاريع الاستثمارية التي تنطلق بمبادرة من مغاربة العالم من ضعف مواكبة الأبناك الوطنية، سواء من حيث تقديم التسهيلات المالية أو الدعم التقني اللازم.
كما أن العديد من الأبناك تفتقر إلى منتجات وخدمات مخصصة لتلبية احتياجات هذه الفئة، هذا مع العلم أن الإجراءات البنكية غالبا ما تكون معقدة وبطيئة، وهو ما يزيد من صعوبة تنفيذ المشاريع، خاصة بالنسبة للمستثمرين المقيمين بالخارج الذين لا يستطيعون متابعة الإجراءات بشكل مباشر.
ورصد المصدر ذاته، افتقار المغرب إلى بنك مشاريع موجه خصيصا لمغاربة العالم، يقدم رؤية شاملة ومنظمة حول الفرص الاستثمارية المتاحة في مختلف القطاعات والمناطق، معتبرا هذا النقص يشكل عائقًا كبيرا أمام الجالية المغربية التي تبحث عن استثمارات تحقق لها عوائد مجزية وتسهم في تنمية الوطن.
واشتكى المرصد، من تعقيد الإجراءات الإدارية، بوصفها أحد أبرز العوائق التي تواجه مغاربة العالم في مساعيهم للاستثمار بالمغرب، ذلك أنه غالبا ما تفرض على المستثمرين إجراءات طويلة ومعقدة، تتطلب تواجدهم الشخصي داخل البلاد لإتمامها، وهو أمر يشكل عبئا ماليا ولوجستيا كبيرا، فالعديد من مغاربة العالم يجدون أنفسهم مضطرين للقيام برحلات متكررة إلى المغرب لإنجاز المعاملات الإدارية، مما يستهلك الوقت والجهد، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان الحماس لمواصلة الاستثمار أو تأجيله إلى أجل غير محدد.
ويرى المرصد، أن هذا الوضع لا يحرم الجالية المغربية فقط من فرصة الاستثمار بشكل فعال، بل يحد أيضا من قدرة المغرب على استقطاب رؤوس الأموال والخبرات التي يحملها هؤلاء المغاربة المقيمون بالخارج، كما أن غياب هذه المؤسسات يؤدي إلى فقدان فرصة بناء شراكات اقتصادية استراتيجية بين الجالية والمؤسسات الوطنية، مما يضعف إمكانيات الترويج للاستثمار في المغرب على المستوى الدولي.
وبالإضافة إلى العقبات الإدارية التي تواجه مغاربة العالم، سجل المرصد غيابا واضحا للحوافز الموجهة خصيصا لهم كمستثمرين، مما يفقد الاقتصاد المغربي فرصة استقطاب استثمارات واعدة من الجالية، فلا توجد حزمة متكاملة من التحفيزات الضريبية التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم كجالية مقيمة في الخارج ، سواء من حيث التحديات المرتبطة بتحويل رؤوس الأموال أو التكيّف مع البيئة الاقتصادية المحلية، كما أن غياب استراتيجيات شاملة لدعمهم في تجاوز تحديات الاندماج في السوق المغربي يضعف من قدرتهم على المشاركة الفاعلة في تحقيق التنمية.
وفي هذا السياق، أوصى المرصد الحكومة الحالية بضرورة العمل على اعتماد خطة وطنية واضحة لإدماج مغاربة العالم في النسيج الاستثماري الوطني، من خلال تحديد القطاعات ذات الأولوية مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، الصناعة التحويلية، والفلاحة، وتوفير منصة رقمية شاملة تضم فرصًا استثمارية محدثة ومهيكلة حسب المناطق والقطاعات الاقتصادية، مع تقديم معطيات دقيقة حول الجدوى الاقتصادية، مع تطوير آليات تمويل مبتكرة: إنشاء صناديق تمويلية جديدة موجهة لمشاريع الجالية، تقدم قروضا ميسرة وضمانات تحفيزية للمستثمرين، مع إعادة هيكلة صندوق MAD invest ليكون أكثر فعالية وانتشارا، فضلا عن تفعيل منصات إلكترونية موحدة تمكن مغاربة العالم من إتمام الإجراءات الإدارية للاستثمار عن بعد، مع دعم خدمات الإرشاد والمتابعة المباشرة، وفتح مكاتب تمثيلية استثمارية في الدول التي تعرف كثافة عالية للجالية المغربية، لتقديم الإرشاد والمساعدة المباشرة في الاستثمار بالمغرب.